قامت الحضارات القديمة منها والحديثة كل بمقوماتها وملامحها وخصوصياتها الثقافية والتاريخية , والنتاج الحضاري ليس حكرا علي أمة دون أخري , ولكن التواصل الفكري والثقافي بين تلك الحضارات والشعوب هو أمر طبيعي ومؤصل علي مر التاريخ والأزمان . فأوربا وقت أن كانت تتخبط في ظلام الجهل والتأخر لم تجد حرجا في الأخذ عن الحضارة العربية الاسلامية يوم أن كانت هذه الحضارة مزدهرة لا تملك أوربا مثلها , والآن مع تغير الحال ووصول الحضارة العربية لما هي عليه من تأخر عن ركب التقدم فلا يوجد ما يمنع من أنها تستفيد وتأخذ من الحضارة الأوربية ما يفيدها ويتوافق مع قيمها وخصوصيتها . الا أن الواقع الذي نعيشه الان لفت نظري الي أن ذلك التواصل والتأثير هو من جانب واحد وهو الجانب الغربي الذي أصبح مهيمناً هيمنة شبه كاملة علي ثقافتنا العربية.تلك الهيمنة بدأت من إدراك الغرب لتأثير الإعلام والسينما والفنون , والآداب والتي أختص بذكرها هنا , فكثيرا ما نري تراجم الادب الانجليزي منتشرة في مكتباتنا , فمن منا لم يقرأ لشكسبير أو شاهد أعمالا درامية اقتبست من رواياته.فالأدب ما هو الا تعبير عن ثقافة الشعوب وقيمها , فتأثرنا بتلك الثقافة الغربية بايجابياتها وسلبياتها من خلال قراءتنا لذلك الأدب .وعلي الجانب الآخر وعلي الرغم من امتلاكنا لكثير من المبدعين والمفكرين والأدباء أمثال نجيب محفوظ وطه حسين وعباس العقاد وغيرهم الكثير , إلا أن أعمالهم وابدعاتهم لم تصل بالقدر الكافي للغرب بما يتناسب مع قيمة ما قدموه للفكر الانساني.فكان بطبيعة الحال أن أصبحت الثقافة العربية مبهمة ومجهولة لكثير من الغربيين فحصلت الفجوة الحضارية والخلل في التواصل والتفاهم. ولتأكيد وجود هذه الفجوة قمت بعمل استقصاء علي إحدي المنتديات الاجنبية وسألت اعضاؤها هذه الاسئلة: 1- ما هي اخر رواية عربية قرأتها ؟2- من هم أشهر الأدباء العرب الذين سمعت عنهم ؟3- هل تعرف نجيب محفوظ ؟4- هل تري أن الثقافة العربية مبهمة بالنسبة لك ؟ ولماذا ؟ اتفقت أكثر من 85 % من الإجابات علي الجهل التام بالثقافة العربية وبالأدب العربي , و أجابني أحدهم علي سؤال (هل تعرف نجيب محفوظ) بسؤال اخر: ( هل هو أحد الارهابين ؟ لأني أري كل العرب كذلك ) بعد كل ذلك اذا أردنا بحق إيصال صورة العرب والمسلمين الي الغرب علي صورتها الحقيقية البعيدة عن الارهاب والتخلف المنسوب اليها , فلابد ان نهتم بتقديم اعمالنا الادبية والفكرية والفنية اليهم بصورة تليق بها حتي يحدث التواصل والتلاقي , والا سنجد انفسنا معزولون في جزيرة بعيدة عن العالم تسمع أخبارنا من حين الي اخر وقد تنقرض تلك الجزيرة ولا يتبقي منها سوي ذكريات غرقت مع كل ما غرق منها .
كتبها ... أسلام ماهر ... يونيو 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق