جري العلماء علي مر تاريخنا الاسلامي المضيء علي أن الاختلاف سنة من سنن الله في هذا الكون , وأن الله سبحانه أنزل كثيرا من المسائل القطعية التي لم يختلف عليها أحد من المسلمين , وأنزل مسائل ظنية تحتمل الفهم علي أكثر من وجه وأكثر من معني فظهرت المذاهب الفقهية المختلفة كل علي حسب ما ذهب اليه في فهم تلك المسائل .
ولكنهم خرجوا من ذلك الاختلاف علي أنه اختلاف تنوع وأنه رحمة من الله لا علي أنه اختلاف تضاد ، فعلي الرغم من اختلافهم في كثير من المسائل فلم تجد أحدهم ينكر علي الاخر أو يهاجمه أو يكفره بل تناقشوا وتباحثوا فيما بينهم بكل رقي وتقدير , مما أثر علي تلامذتهم ومتبعيهم بنفس السلوك الراقي في تقبل الاختلاف و اتباع نفس النهج في اعمال العقل بين الأمور المختلفة للوصول الي ما هو أقرب الي الصواب ولكن الأمر اختلف كثيرا في وقتنا الحاضر , فخرج علينا مدعون لا يمتلكون أبسط اليات العلم والاجتهاد , أنزلوا الأمور الظنية منزلة القطعية , فوجدتهم يضربون باراء من يخالفهم عرض الحائط و يفرضون رأيا واحدا دون باقي الاراء ويهاجمون من يخالفهم فيفسقونه ويكفرونه وبالتالي خرج أتباعهم علي نفس النهج من التفكير من عدم قبول الاختلاف وعدم اعمال العقل في جميع الأمور التي تجري من حولنا , فوجدتهم ينقادون ويتبعون دون فهم ودراية تجدهم يهاجمون الاخرين ليس عن منطقهم الخاص ولا عن قناعاتهم الشخصية ولكن عن منطق من هم في نظرهم أقدر منهم علي الفهم والحكم علي الاشياء فقال لي أحدهم ذات مرة : قاسم أمين هذا هو السبب فيما نحن فيه الان من عري واباحية وهو كافر لأنه دعي الي خلع الحجاب و دعا الي الاختلاط و ..و..و..فكنت علي وشك مناقشته وتصحيح فهمه ولكن تنبهت وسألته سؤال بسيط بديهي : هل قرأت ما كتبه ؟
ومثلما توقعت اجابته وجدتها : لا طبعا
فسألته : من أين لك أن تحكم اذا عليه ؟
فأجابني الاجابة التي هزتني وصدمتني : سمعت شيخي يقول هذا وأنا أثق بكلامه
فهذا هو مستوي التفكير الذي وصل اليه هؤلاء , وكيف أنهم خالفوا أوامر الله لنا علي طول القران بالتعقل والتفكر والتدبر.
يقول عباس محمود العقاد في كتابه التفكير فريضة اسلامية ( حين يكون العمل بالعقل أمرا من أوامر الخالق يمتنع علي المخلوق أن يعطل عقله مرضاة لمخلوق مثله , ومن أكبر الموانع في سبيل العقل عبادة السلف التي تسمي بالعرف , والاقتداء الأعمي بأصحاب السلطة الدينية , والخوف المهين لأصحاب السلطة الدنيوية .. والاسلام لا يقبل من المسلم أن يلغي عقله ليجري علي سنة ابائه وأجداده ولا يقبل منه أن يلغي عقله خنوعا لمن يسخره باسم الدين في غير ما يرضي العقل والدين ).
و يتلخص الاصلاح الديني عندعبد الرحمن الكواكبي وهو من أعلام الحركة الاصلاحية في تحرير الاسلام من الجمود الخرافة .
و أخطر افات الجمود عنده أنه جعل المسلمين صورة مقلدة ونسخة مستعارة , فهم مسلمون لذمة أسلافهم وليسوا بالمسلمين لذمة أنفسهم , وهو مسلمون بالتبعية وليسوا مسلمين بالأصالة , يدينون بالاسلام انقيادا منهم لمن تقدمهم ولا يحسبون أنهم أهل للخطاب علي حدتهم , وقد صدق فيهم ما نعاه الكتاب المبين علي القائلين ( انا وجدنا اباءنا علي أمة وانا علي اثارهم مقتدون ).
لذلك هل من الصعب أن تتكون لدينا نظرة نقدية للأمور نكون فيها نحن الحكم علي وعي ودراية ؟ لماذا لا نسمع للعلماء الثقات ونفقه ما يقولونه ونقيم ما نسمعه في أذهاننا واذا لم نستوعبه ونفهمه ونقتنع به نرجع اليهم ونستفسر منهم لا علي سبيل الاعتراض لأننا لا نملك العلم الكافي لذلك وانما من باب الفهم والاستفسار بأدب التلميذ مع أستاذه الذي علمه ايانا الاسلام .
كتبها : أسلام ماهر .... فى 30 يوليو 2008 .... الصورة لمسجد السلطان حسن ... تصوير : أسلام ماهر
أسلام كاتب موهوب جدااا، نشرت له عدة مقالات فى مجلة كلمتنا، وأخيرا حصل على جائزة عن عرض لكتاب قصة حى بن يقظان فى مسابقة راديو حريتنا اكتب عن كتاب.